الاثنين، 28 نوفمبر 2016

الفرائض: أقسام الأصول بالنسبة إلى العول والعدل والنقص


أقسام الأصول بالنسبة إلى العول والعدل والنقص

رقم
القسم
الأصول
1
ما لا يكون إلا ناقصا
4
8
18
36
2
ما يكون عادلا وناقصا
2
3
3
ما يكون عائلا وناقصا، ولا يكون عادلا
12
24
4
ما يكون عادلا وعائلا وناقصا
6




الجمعة، 25 نوفمبر 2016

مسالك العلة 1


بسم الله الرحمن الرحيم

هذه مذكرة أخرى في أصول الفقه مع كتاب روضة الناظر وجنة المناظر للموفق رحمه الله تعالى، فقال رحمه الله:

[أدلة إثبات العلة]

مسالك العلة

أدلة الشرع ترجع إلى "نص" أو "إجماع" أو "استنباط" فهذه ثلاثة أقسام:

القسم الأول: إثبات العلة بأدلة نقلية الكتاب والسنة، وهو ضربان

في أكثر النسخ "ثلاثة أضرب" لكن المصنف -كما سيأتي- ذكر ضربين فقط:

الأول: النص الصريح، والثاني: التنبيه والإيماء إلى العلة.

ولعل السبب في ذلك: أن الإمام الغزالي، الذي يعتبر كتابه "المستصفى" أصلًا لهذا الكتاب، جعل ذلك ثلاثة أضرب: الصريح، والتنبيه والإيماء على العلة، والتنبيه على الأسباب بترتيب الأحكام عليها بصيغة الجزاء والشرط، وبالفاء التي هي للتعقيب والتسبيب.

وجمهور العلماء يجعلونها ثلاثة أضرب أيضًا، هي: النص القاطع، وهو الذي يدل على التعليل دلالة صريحة دون احتمال لغيره، مثل: لعلة كذا، أو لسبب كذا، أو لأجل كذا، ولكي، والنص الظاهر: وهو ما يدل على العلية مع احتمال غيرها احتمالًا مرجوحًا، وله ألفاظ معينة تدل على التعليل، كاللام والباء وإنّ، والإيماء. فالمصنف أخذ عنوان المستصفى في جعلها ثلاثة أضرب، وأدخل الظاهر مع القاطع وجعلهما ضربًا واحدًا، أو يكون ذلك من تصرف النساخ. انظر في هذه المسألة: الإحكام للآمدي "3/ 38"، فواتح الرحموت "2/ 295"، الإبهاج للسبكي "3/ 22"، شرح مختصر الروضة "3/ 356 وما بعدها".

الأول- الصريح:

    I.            وذلك أن يرد فيه لفظ التعليل كقوله تعالى:

1.    {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً}

سورة الحشر من الآية "7" وهي قوله تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ... } أي: إنما جعل مصرف الفيء في هذه الجهات حتى لا يتداوله الأغنياء جيلًا بعد جيل، أو قومًا بعد قوم، ولا تنتفع به الجهات المحتاجة إليه.

2.    {لِكَيْلا تَأْسَوْا}

سورة الحديد من الآية "23" وقبلها قوله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} أي: أخبر الله تعالى بأن كل ما يجري في هذا الكون مسطر في اللوح المحفوظ قبل أن يقع، لئلا تحزنوا على ما يفوتكم ولا تفرحوا -فرح بطر وتكبر- بما يأتيكم من نعم.



3.    {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ}

سورة الأنفال من الآية "13" والحشر من الآية "4" والمشاقة: المخالفة، وسميت بالمشاقة؛ لأن المخالف صار في شق آخر. قال في المصباح: "شاقّه، مشاققة، وشقا: خالفه، وحقيقته: أن يأتي كل منهما ما يشق على صاحبه، فيكون كل منهما في شق غير شق صاحبه". ومحل الشاهد هنا: أن الله تعالى قد أخبر في الآية التي قبلها بأن قوله تعالى: {وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ} بسبب شقاقهم أو لعلة شقاقهم، كما رتب -سبحانه- العلة في سورة الأنفال على قوله: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ... } ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله.

4.     {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ}

سورة المائدة من الآية "32" وهناك خلاف بين العلماء في متعلق {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ}فالمشهور أنه متعلق بـ"كتبنا" أي: كتبنا على بني إسرائيل بسبب قتل ابن آدم أخاه، صونًا للدماء. وقيل: متعلق بندامة ابن آدم على قتل أخيه، أو من أجل عدم مواراة أخيه، حتى نبهه الغراب على ذلك والتعليل صحيح على كل تقدير. انظر: شرح الطوفي "3/ 358".

5.    {لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ}

سورة البقرة من الآية "143" وقبلها قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} أي: ليمتحن الله -تعالى- عباده بالانقياد في التحول من قبلة إلى قبلة.

6.    {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ}

سورة المائدة من الآية "95" وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} أي: أوجبنا عليه الفدية عقوبة على فعله ليذوق وبال أمره، أي: ثقل فعله وسوء عاقبة ذنبه، والتعليل هنا ظاهر، أي: لعلة إذاقته وبال أمره.

7.    وقول النبي، صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "إِنَّما جُعِلَ الاسْتِئْذانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ"،

أخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب الامتشاط، وفي كتاب الاستئذان، باب الاستئذان من أجل البصر، ومسلم في كتاب الأدب، باب: تحريم النظر في بيت غيره، والترمذي في كتاب الاستئذان، باب من اطلع في دار قوم بغير إذنهم وعبد الرزاق في المصنف: كتاب الجامع، باب الرجل يطلع في بيت الرجل. كما أخرجه الإمام أحمد في المسند "5/ 330/ 335".

8.    و "إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ".

أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود ومالك وأحمد، والرواية التي معنا هي لفظ مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- في كتاب الأضاحي، باب ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث في أول الإسلام، جاء فيها قالوا: يا رسول الله، إن الناس يتخذون الأسقية من ضحاياهم، ويجعلون فيها الودك. "دسم اللحم والشحم" قال: "وما ذاك" قالوا: نَهيت أن تؤكل لحوم الضحايا بعد ثلاث فقال: "إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفّت فكلوا وادخروا وتصدقوا". والمراد بالدافة: جماعة من المساكين قدموا المدينة، فنهى -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- عن ادخار لحوم الأضاحي، حتى يتصدق عليهم أهل المدينة، ويوسعوا عليهم انظر: الموطأ "2/ 485".

II.            وكذلك إن ذُكر المفعول له، فهو صريح في التعليل؛ لأنه يذكر للعلة والعذر،

1.    كقوله تعالى: { ... لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ}،

سورة الإسراء من الآية "100" وهي قوله تعالى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا} . أي: خشية أن تنتهي هذه الخزائن.

2.    {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ}

سورة البقرة من الآية "19".

III.            وما جرى هذا المجرى من صيغ التعليل.

فإن قام دليل على أنه لم يقصد التعليل نحو: أن يضاف إلى ما لا يصلح علة: فيكون مجازًا، كما لو قيل: "لم فعلت هذا"؟ قال: "لأني أردتُ"، فهذا استعمال اللفظ في غير محله.

معناه: أن الأصل في وضع اللغة أن يضاف الفعل إلى علته وسببه، فإن أضيف إلى ما لا يصلح علة فهو مجاز، ويعرف ذلك بوجود دليل على عدم صلاحيته للعلية، كما في المثال الذي أورده المصنف، وإنما لم يكن علة؛ لأن الإرادة ليست علة للفعل، وإن كانت هي الموجبة لوجوده، أو المصححة له، لأن المقصود بالعلة: المقتضى الخارجي للفعل، أما الإرادة فليست معنى خارجًا عن الفاعل: انظر: شرح الطوفي "3/ 359/ 360".

فأما لفظة "إنّ" مثل قوله، عليه السلام، لما ألقى الروثة: إِنَّها رِجْسٌ"،

رواه البخاري عن ابن مسعود -رضي الله عنه- في كتاب الوضوء، باب: الاستنجاء بالحجارة لكن بلفظ "ركس" بدل "رجس" ومثله رواية الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الاستنجاء بالحجرين، والنسائي: كتاب الطهارة، باب الرخصة في الاستطابة بحجرين، ثم قال: "الركس: طعام الجن".

وأخرجه بالرواية التي أوردها المصنف ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: الاستنجاء بالحجارة، والنهي عن الروث والرمة، وأحمد في المسند "1/ 388". وهناك خلاف طويل بين العلماء في كون الرجس هو الركس أو غيره. ينظر: النهاية في غريب الحديث "2/ 100" والمصباح المنير مادة "ركس".

وقال، في الهرة: "إِنَّها لَيْسَتْ بِنَجسٍ، إِنَّها مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيكُمْ"و "لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِها وَلَا عَلَى خَالَتِهَا؛ إِنَّكُمْ إِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَعْتُمْ أَرْحَامَكُمْ".

فإن انضم إلى "إنّ" حرف الفاء: فهو آكد، نحو قوله، عليه السلام: "لَا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا فإِنَّهُ يُبْعَثُ مُلَبِّيًا" .

قال أبو الخطاب: هذا صريح في التعليل.

وقيل: بل هذا من طريق التنبيه والإيماء إلى العلة، لا من طريق الصريح. والله أعلم.

خلاصة ما يريده المصنف من أول قوله: "فأما لفظة إنّ" إلى هنا: أن هذه الأمثلة وما يشبهها فيها مذهبان: أحدهما: أنها من قبيل الصريح، وثانيهما: أنها من قبيل الإيماء. فأبو الخطاب يرى أنها صريحة، خصوصًا إذا لحقته الفاء، كما في حديث المحرم، فإنه يزداد بها تأكدًا، لدلالتها على أن ما بعدها سبب للحكم فيما قبلها. ويرى غير أبي الخطاب أنها من قبيل التنبيه والإيماء. وهذا ما جرى عليه الطوفي في شرحه "3/ 360-361" لكن ذلك يخالف ما نص عليه أبو الخطاب في التمهيد؛ حيث جعل "إنَّ" من قبيل الصريح، وما دخلت عليه الفاء من قبيل الإيماء. قال: "وأما التنبيه: فضروب، منها: أن يكون في الكلام لفظ غير صريح في التعليل، فيعلق الحكم على علته بلفظ الفاء. وهو على ضربين:

أحدهما: أن تدخل الفاء على السبب والعلة، ويكن الحكم متقدم، كقوله -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- في المحرم حيث وقصته ناقته: "لا تخمروا رأسه، ولا تقربوه طيبًا، فإنه يحشر يوم القيامة ملبيًا" التمهيد "4/ 11".

والغزالي في المستصفى "3/ 606-607" جعل "إنّ" المجردة، والتي انضمت إليها الفاء من قبيل الإيماء.

وقد جعل الطوفي الخلاف في ذلك خلافًا لفظيًّا فقال: "النزاع في هذا لفظي، لأن أبا الخطاب يعني بكونه صريحًا في التعليل: كونه تبادر منه إلى الذهن بلا توقف في عرف اللغة، وغيره يعني بكونه ليس بصريح: أن حرف "إنّ" ليست للتعليل في اللغة، وهذا أقرب إلى التحقيق، وإنما فهم التعليل منه فهمًا ظاهرًا متبادرًا بقرينة سياق الكلام، وصيانة له عن الإلغاء؛ لأن قوله: "إنها من الطوافين عليكم والطوافات، إنها ليست بنجس" ونحو ذلك، لو قدّر استقلاله وعدم تعلقه بما قبله، لم يكن له فائدة، فتعين لذلك ارتباطه بما قبله، ولا معنى له إلا ارتباط العلة بمعلولها، والسبب بمسببه. فبهذا الطريق يثْبُت كونه للتعليل لا بوضع اللغة" شرح مختصر الروضة "3/ 361".

قال ابن بدران، تعليقًا على كلام الطوفي: "أقول: يعلم كل لغوي أن حرف الجر يحذف من "إنّ" قياسًا مطردًا" والمحذوف كالثابت، ففهم التعليل إنما جاء من اللام المحذوفة لا من "إنّ" فالأقرب إلى التحقيق ما قاله أبو الخطاب". نزهة الخاطر العاطر "2/ 260".

الضرب الثاني ـــــ التنبيه والإيماء إلى العلة:

قال الطوفي في شرحه "3/ 361": "وهو ضرب من الإشارة، والفرق بينه وبين النص: أن النص يدل على العلة بوصفه لها، والإيماء يدل عليها بطريق الالتزام، كدلالة نقص الرطب على التفاضل، أو بطريق من طرق الاستدلال عقلًا" والخلاصة: أن دلالة الإيماء على العلة دلالة معنوية، ودلالة النص دلالة لفظية.

وهو أنواع ستة:

أحدها: أن يذكر الحكم عقيب وصف بالفاء، فيدل على التعليل بالوصف كقوله تعالى:

1.    { ... قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}، سورة البقرة من الآية "222".

2.    و {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} سورة المائدة من الآية "38".

3.    وقول النبي، صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ"،

أخرجه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما -مرفوعًا- في كتاب الجهاد، باب: لا يعذب بعذاب الله حديث "3017" وفي كتاب استتابة المرتدين، باب: حكم المرتد والمرتدة حديث "6922" وأحمد في المسند "1/ 282، 283، 322، 323"، وأبو داود: كتاب الحدود، باب المرتد عن دينه، حديث "4351" والترمذي: كتاب الحدود، باب: ما جاء في المرتد، حديث "1458" والنسائي: كتاب تحريم الدم، باب: الحكم في المرتد "7/ 104" وابن ماجه: كتاب الحدود، باب المرتد عن دينه، حديث "2535".

4.    و "مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيتَةً فهِيَ له".

أخرجه أبو داود في سننه حديث "3073" والترمذي "1378" والبيهقي "6/ 142" والدارمي: كتاب البيوع، باب: من أحيا أرضًا ميتة فهي له، وأحمد في مسنده "3/ 338، 381" والنسائي بلفظ: "من أحيا أرضًا ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق".

كما أخرجه البخاري تعليقًا في باب: من أحيا أرضًا مواتًا، من كتاب الحرث والمزارعة.

وقوى سنده الحافظ في الفتح "5/ 19". ورواه أبو عبيد في الأموال "286" عن عائشة -رضي الله عنها- بلفظ: "من أحيا أرضًا ليست لأحد، فهو أحق بها".

ولهذا يفهم منه السببية وإن انتفت المناسبة، نحو قوله: "مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوضَّأ"

المناسبة المقصود بها: المصلحة والمفسدة

ويلحق بهذا القسم:

أي: يلحق بالنوع الأول، وهو: ما ذكر فيه الحكم عقب الوصف بالفاء في كلام الشارع، ما ورد على لسان الراوي مقرونًا بالفاء؛ لأنه من أهل اللغة.

ما رتبه الراوي بالفاء، كقوله:

1.    "سَهَى رَسُولُ الله -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- فَسَجَدَ"

روي عن عمران بن حصين -رضي الله عنه- أن النبي -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- "صلى بهم فسهى فسجد سجدتين، ثم تشهد ثم سلم" أخرجه أبو داود: كتاب الصلاة، باب: سجدتي السهو فيهما تشهد وتسليم حديث "1039"، والترمذي في أبواب الصلاة، باب: ما جاء في التشهد في سجدتي السهو، حديث "395" والحاكم في كتاب السهو، باب: سجدتي السهو بعد السلام "1/ 323" وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" قال الذهبي في الميزان "1/ 267": "أشعث بن عبد الملك ثقة، لكنه ما خرّجا له في الصحيحين".

2.    و"رَضَخَ يَهُودِيٌّ رَأْسَ جَارِيَةٍ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- أَنْ يُرَضَّ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ".

روى أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن يهوديًّا قتل جارية على أوضاح "حلي الفضة" لها، فقتلها بحجر، قال: فجيء به إلى النبي -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- وبها رمق، فقال لها: "أقتلك فلان؟ " فأشارات برأسها أن لا. ثم قال لها الثانية، فأشارات برأسها أن لا. ثم سألها الثالثة فقالت: نعم، وأشارت برأسها، فقتله رسول الله -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- بين حجرين.

أخرجه البخاري في كتاب الديات، باب: إذا قتل بحجر أو عصًا، ومسلم: في كتاب القسامة، باب: ثبوت القصاص في القتل بالحجر وغيره "1672" وأبو داود: كتاب الديات، باب: يقاد من القاتل، وباب القود بغير حديد، والترمذي حديث "1394" والنسائي: كتاب القسامة، باب القود من الرجل للمرأة، وباب القود من غير حديدة. كما أخرجه الإمام أحمد في المسند "3/ 170، 171".

يفهم منه السببية فلا يحل نقله من غير فهم السببية؛ لكونه تلبيسًا في دين الله.

التلبيس: المبالغة في الخلط. جاء في المصباح المنير مادة "لبس" ولبستُ الأمر لبسًا، من باب ضرب: خلطته. وفي التنزيل: {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام: 9] والتشديد مبالغة".

الظاهر أن الصحابي يمتنع مما يحرم عليه في دينه، لا سيما إذا علم عموم فساد، فيظهر أنه فهم منه التعليل.

والظاهر أنه مصيب في فهمه، إذ هو عالم بمواقع الكلام ومجاري اللغة، فلا يعتقد السببية إلا بما يدل عليها، واللفظ مشعر به. ولا يحتاج إلى فقه الراوي، فإن هذا مما يقتبس من اللغة، دون الفقه.

قال الفتوحي في شرح الكوكب المنير "4/ 127": "ولا فرق في العمل بذلك بين كون الراوي صحابيًّا أو فقيهًا أو غيرهما، لكن إذا كان صحابيًّا فقيهًا كان أقوى"

الثاني ــــ ترتيب الحكم على الوصف بصيغة الجزاء يدل على التعليل به؛ كقوله تعالى:

1.    {مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} سورة الأحزاب من الآية: "30".

2.    {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} سورة الأحزاب من الآية "31"،

3.    {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} سورة الطلاق من الآية "2". أي: لتقواه.

4.    وقول النبي، صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "مَنِ اتَّخَذَ كَلْبًا إِلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ صَيْدٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيراطَانِ" .

أخرجه البخاري: كتاب الذبائح، باب: من اقتنى كلبًا ليس بكلب صيد أو ماشية، ومسلم: كتاب المساقاة، باب: الأمر بقتل الكلاب، والترمذي: أبواب الصيد،باب: ما جاء من أمسك كلبًا ما ينقص من أجره والنسائي: كتاب الصيد، باب الرخصة في إمساك الكلب للماشية، وباب الرخصة في إمساك الكلب للصيد، كما أخرجه الإمام مالك: كتاب الاستئذان، باب: ما جاء في أمر الكلام، والإمام أحمد في المسند "2/ 4، 8، 37، 47، 60، 101، 113، 156".

النوع الثالث ــــ أن يسأل النبي -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- عن أمر حادث، فيجيب بحكم، فيدل على أن المذكور في السؤال علة.

كما روي أن أعرابيًّا أتى النبي -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- فقال: هلكت وأهلكت. قال: "مَاذَا صَنَعْتَ"؟ قال: واقعت أهلى في رمضان. فقال، عليه السلام: "أعْتِقْ رَقَبَة" فيدل على أن الوقاع سبب؛ لأنه ذكره جوابًا له، والسؤال كالمعاد في الجواب، فكأنه قال: "وَاقَعْتَ أَهْلَكَ فَاعْتِق رَقَبَة".

واحتمال أن يكون المذكور منه ليس بجواب: ممتنع، إذ يفضي ذلك إلى خلو محل السؤال عن الجواب، فيتأخر البيان عن وقت الحاجة، وهو ممتنع بالاتفاق.



هذه المحاضرة يتكون من ثلاث محاضرات كنت سجلت بعض الفوائد في الكتاب وإلا أنها لا تستغني عما لم أكتبه... فالله أسأل أن يوفقني في الاستفادة في هذا القليل وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
















مراعاة حقوق الآدميين


بسم الله الرحمن الرحيم

                تقدم ولله الحمد ذكر ثبوت الخالة للأم، ونحن لا زلنا في باب الحضانة: واعلموا أن الحضانة في اللغة: مشتقة من الحضن، وهو الجنب؛ لأن المربي يضم الطفل إلى حضنه، والحاضنة هي المربية. هذا معناها لغة. وأما معناها شرعا؛ فهي: حفظ صغير ونحوه عما يضره وتربيته بعمل مصالحه البدنية والمعنوية[1].

                التنبيه لذكر هذا التعريف هو ما سنسير عليه في الحديثين الباقيين.

الْحَث على مَكَارِم الْأَخْلَاق، وَهُوَ الْمُوَاسَاة فِي الطَّعَام لَا سِيمَا فِي حق من صنعه وَحمله، لِأَنَّهُ تحمل حره ودخانه وتعلقت بِهِ نَفسه وشم رَائِحَته

(وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا أتى أحدكم) مفعول مقدم (خادمه) فاعل (بطعامه) فليجلسه معه (فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة، أو لقمتين. متفق عليه واللفظ للبخاري) .

الخادم يطلق على الذكر والأنثى أعم من أن يكون مملوكا، أو حرا؛ وظاهر الأمر الإيجاب، وأنه يناوله من الطعام ما ذكر مخيرا. وفيه بيان أن الحديث الذي فيه الأمر بأن يطعمه مما يطعم ليس المراد به مؤاكلته، ولا أن يشبعه من عين ما يأكل بل يشركه فيه بأدنى شيء من لقمة أو لقمتين.

قال ابن المنذر عن جميع أهل العلم إن الواجب إطعام الخادم من غالب القوت الذي يأكل منه مثله في تلك البلدة وكذلك الإدام والكسوة، وأن للسيد أن يستأثر بالنفيس من ذلك، وإن كان الأفضل المشاركة.

وتمام الحديث " فإنه ولي حره وعلاجه " فدل على أن ذلك يتعلق بالخادم الذي له عناية في تحصيل الطعام فيندرج في ذلك الحامل للطعام لوجود المعنى فيه، وهو تعلق نفسه به.





حث الإسلام على العناية بالحيوان والآدميين من باب أولى

(وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: عذبت امرأة) قال المصنف: لم أقف على اسمها. وفي رواية أنها حميرية. وفي رواية من بني إسرائيل (في هرة) هي أنثى السنور والهر الذكر «سجنتها حتى ماتت فدخلت النار فيها لا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض» بفتح الخاء المعجمة ويجوز ضمها وكسرها وشينين معجمتين بينهما ألف والمراد هوام الأرض (متفق عليه) .

والحديث دليل على تحريم قتل الهرة؛ لأنه لا عذاب إلا على فعل محرم ويحتمل أن المرأة كافرة فعذبت بكفرها وزيدت عذابا بسبب ذلك، وقال النووي: إنها كانت مسلمة، وإنما دخلت النار بهذه المعصية، وقال أبو نعيم في تاريخ أصبهان: كانت كافرة. ورواه البيهقي في البعث والنشور عن عائشة فاستحقت العذاب بكفرها وظلمها، وقال الدميري في شرح المنهاج: إن الأصح أن الهرة يجوز قتلها حال عدوها دون هذه الحال وجوز القاضي قتلها في حال سكونها إلحاقا لها بالخمس الفواسق.

وفي الحديث دليل على جواز اتخاذ الهرة وربطها إذا لم يهمل إطعامها قلت ويدل على أنه لا يجب إطعام الهرة بل الواجب تخليتها تبطش على نفسها.


   وهكذا ستستكمل مذاكرتنا مع الأحاديث النبوية بإذن الله تعالى في فرصة لاحقة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


[1] الملخص الفقهي 2/439

الخميس، 24 نوفمبر 2016

كتاب الديات فيما دون النفس (الشجاج) 1

كتاب الديات فيما دون النفس
ش: سبق لنا ذكر ما يتعلق بالديات في النفوس، وهي تنقسم قسمين: مغلظة بالأرباع في قتل العمد وشبهه، ومخففة بالأخماس في الخطأ، والأصل فيها الإبل وهو قول الجمهور لقوله عليه الصلاة والسلام: "في النفس المؤمنة مئة من الإبل"، وقوله: "ألا في قتيل عمد الخطأ مئة من الإبل"، وأن عمر رضي الله عنه قام خطيبا، فقال: "ألا إن الإبل قد غلت؛ فقوم على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اغني عشر ألفا، وعلى أهل البقر مئتي بقرة، وعلى أهل الشاء ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مئتي حلة" أخرجه أبو داود من طريق عمرو بن شعيب، فما عدا الإبل من الأصناف المذكورة يكون معتبرا بها من باب التقويم[1].
ومقادير تلك الدية تختلف باختلاف الكفاءة في الدين، والحرية، والجنس: الذكورة والأنوثة، وكون المقتول موجودا للعيان أو حملا في البطن.
أولا: ما كان باعتبار الدين:
A.      دية الحر المسلم، وهي أكثرها مقدارا:
حيث تبلغ ألف مثقال من الذهب، أو اثنى عشر ألف درهم من الدراهم الإسلامية التي كل عشرة منها سبعة مثاقيل، أو مئة من الإبل، أو مئتي بقرة، أو ألفي شاة؛ لحديث أبي داود عن جابر رضي الله عنه: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدية على أهل الإبل مئة من الإبل، وعلى أهل البقر مئتي بقرة وعلى أهل الشاء ألقي شاة"، وعن عكرمة عن ابن عباس: "أن رجلاً قتل، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ديته اثنى عشر ألف درهم"، رواه أبو داود وابن ماجه، وفي كتاب عمرو بن حزم: "على أهل الذهب ألف دينار"، رواه النسائي وغيره.
يقصد بالدية المغلظة: أن تجعل المئة من الإبل أرباعا:
1)     خمس وعشرون بنت مخاض، وهي ما تم لها سنة.
2)     وخمس وعشرون بنت لبون، وهي ما تم لها سنتان.
3)     وخمس وعشرون حقة، وهي ما تم لها ثلاث سنوات.
4)     وخمس وعشرون جذعة، وهي ما تم لها أربع سنين.
لما روى الزهري عن السائب بن يزيد؛ قال: "كانت الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أرباعا: خمسا وعشرين جذعة، وخمسة وعشرين حقة، وخمسا وعشرين لبون، وخمسا وعشرين بنت مخاض"، فإن جاء بالإبل على هذا النمط؛ لزم ولي الجناية أخذها، وإن شاء دفع قيمتها حسب ما تساوي هذه الأصناف في كل عصر بحسبه.
ويقصد بالدية المخففة؛ أن تجعل المئة من الإبل خمسة أنواع:
1)     عشرون بنت مخاض،
2)     وعشرون بنت لبون وعشرون حقة،
3)     وعشرون جذعة،
4)     وعشرون من بني مخاض،
هذه الأصناف أو قيمتها حسب ما تساوي في كل عصر بحسبه.

B.      ودية الحر الكتابي:
سواء كان ذميا أو مستأمنا أو معاهدًا نصف دية المسلم؛ لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بأن عقل أهل الكتاب نصف عقل المسلمين"، رواه أحمد وأبو داود وغيرهما.
C.      ودية المجوسي الذمي أو المعاهد أو المستأمن ودية الوثني المعاهد أو المستأمن:
ثمان مئة درهم إسلامي؛ لما روى ابن عدي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه مرفوعا: "دية المجوسي ثمان مئة درهم"، وهو قول أكثر أهل العلم.
ثانيا: باعتبار الاختلاف في الجنس: أي: الأنوثة:
A.      ونساء أهل الكتاب والمجوس وعبدة الأوثان
على النصف من دية ذكرانهم.
B.      كما أن دية نساء المسلمين
على النصف من دية ذكرانهم.
قال ابن المنذر: "أجمع أهل العلم على أن دية المرأة نصف دية الرجل، وفي كتاب عمرو بن حزم:: "دية المرأة على النصف من دية الرجل".
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: "لما كانت المرأة نقص من الرجل، والرجل أنفع منها، ويسده المرأة من المناصب الدينية والولايات وحفظ الثغور والجهاد وعمارة الأرض وعمل الصنائع التي لا تتم مصالح العلم إلا بها، والذب عن الدنيا والدين؛ لم تكن قيمتها مع ذلك متساوية، وهي الدية؛ فإن دية الحر جارية مجرى قيمة العبد وغيره من الأموال؛ فاقتصت حكمة الشارع أن جعل قيمتها على النصف من قيمته؛ لتفاوت ما بينهما".
C.      ويستوي الذكر والأنثى فيما يوجب دون ثلث الدية؛
لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: "عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى تبلغ الثلث من ديته"، أخرجه النسائي، وقال سعيد بن المسيب: "إنه السنة". وقال الإمام ابن القيم: "وإن خالف فيه أبو حنيفة والشافعي وجماعة، وقالوا: هي على النصف في القليل والكثير، ولكن السنة أولى، والفرق فيما دون الثلث وما زاد عليه؛ أن ما دونه قليل، فجبرت مصيبة المرأة فيه بمساواتها للرجل، ولهذا استوى الجنين الذكر والأنثى في الدية؛ لقلة ديته، وهي الغرة، فنزل ما دون الثلث منزلة الجنين ... " انتهى.
ثالثا: باعتبار الاختلاف في الحرية أو العبودية:
ودية القن:
قيمته، ذكرًا كان أو أنثى، صغيرًا أو كبيرًا، بالغة ما بلغت، وهذا مجمع عليه إذا كانت قيمتة دون دية الحر، فإن بلغت دية الحر فأكثر؛ فذهب أحمد في المشهور عنه ومالك والشافعي وأبو يوسف إلى أن فيه قيمته بالغة ما بلغت.
رابعا: في وجود المقتول للعيان أو حملا في البطن:
الجنين:
يجب فيه ذكرًا كان أو أنثى إذا سقط ميتا بسبب جناية على أمه عمدًا أو خطأ غرة عبد أو أمة، قيمتها خمس من الإبل؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة"، متفق عليه.
وتورث الغرة عنه، كأنه سقط حيا؛ لأنها دية له، وهو مذهب الجمهور، وتقدر الغرة بخمس من الإبل؛ أي: بعشر دية أمه.
هذا باختصار شديد بغض النظر عن تفاصيل أقاويل الفقهاء فيما ذكره ابن رشد الحفيد رحمه الله في البداية، والآن الدية فيما دون النفوس، فقال رحمه الله:
والأشياء التي تجب فيها الدية فيما دون النفس هي شجاج وأعضاء، فلنبدأ بالقول في الشجاج.
                لا بد أن نقف هنا بأن الشجاج  وضع له باب خاص في فقه الجنايات، إذ لا قود فيه لعدم توفر أحد شروط القصاص عموما في النفوس أو دون النفوس.
                لنذكر هذه الشروط:
1.      إمكانة تنفيذ القصاص.
2.      المحل.
3.      عدم فوات النفوس.
4.      المساواة في القصاص؛ مثل الاقتصاص من ذهاب بعض النظر أو بعض السمع.
5.      المماثلة في القصاص؛ مثل أن يفقأ أعمى عين بصير.
والشرط المفقود في باب الشجاج والأعضاء هو الشرط الرابع أو الخامس. ووضع هذه الشروط من اجتهاد الإمام مالك رحمه الله وأيضا لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رفع القود في المأمومة والمنقلة والجائفة" حيث يخشى منه تلف النفس عند الاقتصاص، ثم لا تخلو أحكام الديات في الشجاج من النظر في انقسامها إلى عشرة أقسام باعتبار تسميتها المنقولة عن العرب: فكل قسم له اسم خاص وحكم خاص.
فمن هنا نقول: دية الشجاج تختلف باختلاف نوع الشجة.
قال رحمه الله رحمة واسعة:
والنظر في هذا الباب في محل الوجوب وشرطه وقدره الواجب، وعلى من تجب؟ ومتى تجب؟ ولمن تجب؟
محل وجوب
فأما محل الوجوب فهي الشجاج أو قطع الأعضاء.
ش: الشجاج: جمع شجة، وهي الجرح في الرأس والوجه خاصة، سميت بذلك من الشج، وهو لغة: القطع لأنها تقطع الجلد، فإن كان القطع في غير الرأس والوجه؛ سمي جرحا لا شجة[2]. وهي كذلك عشرة أحكام في الفقه.
أسماء الشجاج
ش: فقال رحمه الله في ذكرها فيقول:
والشجاج عشرة في اللغة والفقه:
-         أولها: الدامية وهي التي تدمي الجلد،
-         ثم الخارصة وهي التي تشق الجلد،
-         ثم الباضعة وهي التي تبضع اللحم: أي تشقه،
-         ثم المتلاحمة وهي التي أخذت في اللحم،
-         ثم السمحاق وهي التي تبلغ السمحاق وهو الغشاء الرقيق بين اللحم والعظم ويقال لها: الملطاء بالمد والقصر،
-         ثم الموضحة وهي التي توضح العظم: أي تكشفه،
-         ثم الهاشمة وهي التي تهشم العظم،
-         ثم المنقلة وهي التي يطير العظم منها،
-         ثم المأمومة وهي التي تصل أم الدماغ،
-         ثم الجائفة وهي التي تصل إلى الجوف،
وأسماء هذه الشجاج مختصة بما وقع بالوجه منها والرأس دون سائر البدن، واسم الجرح يختص بما وقع في البدن، فهذه أسماء هذه الشجاج.
                ش: لقد رتب رحمه الله هذه العشرة بالضبط الذي عليه قياس حكم الدية فيها، لأن ليس كل شجة وارد مقدار الدية لها، فرتب رحمه الله حيث ورود الشرع حدا فيها وعدم وروده، وخذوها قاعدة مع قول زيد بن الثابت رضي الله عنه: "في الدامية بعير، وفي الباضعة بعيران، وفي المتلاحمة ثلاثة أبعرة، وفي السمحاق أربعة"، ثم "إن الأصل في الجراح الحكومة إلا ما وقتت فيه السنة حد" على ما سيذكره بإذن الله المؤلف رحمه الله.
الواجب في الشجاج
ثم قال:
فأما أحكامها (أعني الواجب فيها)،
1.    فاتفق العلماء على أن العقل واقع في عمد الموضحة وما دون الموضحة خطأ.
2.    واتفقوا على أنه ليس فيما دون الموضحة خطأ عقل، وإنما فيها حكومة،
ما المقصود بالحكومة
قال بعضهم: أجرة الطبيب،
ش: في تحديد الحكومة ثلاثة أقوال:
1)     أجرة الطبيب.
2)     ما نقص من قيمة العبد إن كان عبدا، وهو تحديد مالك رحمه الله.
3)     التعزيز يقدره الفقهاء.
ثم قال رحمه الله قضاء عمر وعثمان رضي الله عنهما في دية السمحاق:
دية السمحاق
1.    إلا ما روي عن عمر وعثمان أنهما قضيا في السمحاق بنصف دية الموضحة،
2.    وروي عن علي أنه قضى فيها بأربع من الإبل،
3.    وروي عن زيد بن ثابت أنه قال: في الدامية بعير، وفي الباضعة بعيران، وفي المتلاحمة ثلاثة أبعرة، وفي السمحاق أربعة،
4.    والجمهور من فقهاء الأمصار على ما ذكرنا؛ وذلك أن الأصل في الجراح الحكومة إلا ما وقتت فيه السنة حدا؛
شرط الحكومة
ومالك يعتبر في إلزام الحكومة فيما دون الموضحة أن تبرأ على شين، والغير من فقهاء الأمصار يلزم فيها الحكومة برئت على شين أو لم تبرأ فهذه هي أحكام ما دون الموضحة.
ش: إذا جمعنا أقوال الفقهاء التي سردها القاضي ابن رشد رحمه الله فيما يجب من الشجاج ما دون الموضحة الحاصل منها ما يلي:

ما دون الموضحة
عمدها
خطأها
1
الدامية
بعير
حكومة
2
الباضعة
بعيران
3
المتلاحمة
3 أبعرة
4
الخارصة
-
5
السمحاق
4 أبعرة

ثم قال في الموضحة والأربع الأخرى، فقال رحمه الله تعالى:
فأما الموضحة فجميع الفقهاء على أن فيها إذا كانت خطأ خمسا من الإبل، وثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابه لعمرو بن حزم، ومن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "في الموضحة خمس" يعني من الإبل.
ش: العلماء بالاتفاق على أن في الموضحة عقل أي دية عمدا أو خطأ، ثم ذكر أن الدية فيها: خمس من الإبل، ثم بدأ رحمه الله في تحديد موضع الموضحة فيقول:
موضع الموضحة
واختلف العلماء في موضع الموضحة من الجسد بعد اتفاقهم على ما قلنا، (أعني على وجوب القصاص في العمد ووجوب الدية في الخطأ منها)،
1)     فقال مالك: لا تكون الموضحة إلا في جهة الرأس والجبهة والخدين واللحى الأعلى، ولا تكون في اللحى الأسفل لأنه في حكم العنق ولا في الأنف؛
2)    وأما الشافعي وأبو حنيفة فالموضحة عندهما في جميع الوجه والرأس؛
3)     والجمهور على أنها لا تكون في الجسد
مقدار الدية عند من يرى الموضحة في الجسد
1)     وقال الليث وطائفة: تكون في الجنب؛
2)    وقال الأوزاعي: إذا كانت في الجسد كانت على النصف من ديتها في الوجه والرأس.
3)     وروي عن عمر أنه قال: في موضحة الجسد نصف عشر دية ذلك العضو.
الواجب في الموضحة تبرأ على شين:
وغلظ بعض العلماء في موضحة الوجه تبرأ على شين،
1.    فرأى فيها مثل نصف عقلها زائدا على عقلها،
وروى ذلك مالك عن سليمان بن يسار، واضطرب قول مالك في ذلك، فمرة قال بقول سليمان بن يسار، ومرة قال:
2.    لا يزاد فيها على عقلها شيء، وبه قال الجمهور؛
3.    وقد قيل عن مالك إنه قال:
إذا شانت الوجه كان فيها حكومة من غير توقيف،
Ü  ومعنى الحكومة عند مالك ما نقص من قيمته أن لو كان عمدا.
ش: الشين لغة: القبح والدمامة، والمقصود أن الشجة التي في الوجه بقي فيه أثر يسبب العاهة وذهاب الجمال، فمالك رحمه الله وضع الحكومة أو الزيادة على العقل في ذلك لما كان من أصوله المصلحة المرسلة، والجمهور أن لا يزاد في تلك الشجة الموضحة على عقلها شيء أي تبقى خمسة من الإبل.
                ثم رحمه الله يذكر الشجاج الأربع الباقية، فيقول:
وأما الهاشمة ففيها عند الجمهور عشر الدية، وروي ذلك عن زيد بن ثابت، ولا مخالف له من الصحابة؛ وقال بعض العلماء: الهاشمة هي المنقلة وشذ.
ش: الهاشمة هي التي تهشم العظم كما ذكره المؤلف رحمه الله. وهي من المحدد بالسنة وما تليها من الشجاج، ثم قال في المنقلة، فيقول رحمه الله:
وأما المنقلة فلا خلاف أن فيها عشر الدية ونصف العشر إذا كانت خطأ، فأما إذا كانت عمدا، فجمهور العلماء على أن ليس فيها قود لمكان الخوف. وحكي عن ابن الزبير أنه أقاد منها ومن المأمومة. وأما الهاشمة في العمد. فروى ابن القاسم عن مالك أنه ليس فيها قود. ومن أجاز القود من المنقلة كان أحرى أن يجيز ذلك من الهاشمة.
ش: بالاتفاق على أن في المنقلة عشر الدية ونصف العشر: أي: 15 من الإبل خطأ أو عمدا.
وأما المأمومة فلا خلاف أنه لا يقاد منها وأن فيها ثلث الدية إلا ما حكي عن ابن الزبير.
وأما الجائفة فاتفقوا على أنها من جراح الجسد لا من جراح الرأس وأنها لا يقاد منها وأن فيها ثلث الدية وأنها جائفة متى وقعت في الظهر والبطن. واختلفوا إذا وقعت في غير ذلك من الأعضاء فنفذت إلى تجويفه، فحكى مالك عن سعيد بن المسيب أن في كل جراحة نافذة إلى تجويف عضو من الأعضاء - أي عضو كان - ثلث دية ذلك العضو. وحكى ابن شهاب أنه كان لا يرى ذلك وهو الذي اختاره مالك لأن القياس عنده في هذا لا يسوغ؛ وإنما سنده في ذلك الاجتهاد من غير توقيف وأما سعيد فإنه قاس ذلك على الجائفة على نحو ما روي عن عمر في موضحة الجسد.
وأما الجراحات التي تقع في سائر الجسد فليس في الخطأ منها إلا الحكومة.
ش: الأصل عدم القود في هذه الشجاج، وإنما الاختلاف في مقدار الدية لكل قسم إن كان خطأ أو عمدا، ثم الجائفة لا من جراح الرأس خلافا لسعيد بن المسيب أنها من الرأس، و أيضا في عمدها لا قود فيها.
                وفي الجائفة بالتفصيل:
1)     ثلث الدية إن وقع في الظهر والبطن.
2)     خلاف فغير ذلك من الأعضاء:
1.      ثلث الدية
2.      دية موضح الجسد:  نصف عشر دية ذلك العدو وهو رواية عن عمر رضي الله عنه.
فحاصل أقوال الفقهاء بعد الجمع:


الموضحة
عمدها وخطأها
لا قصاص في هذه الخمس إلا رأي شاذ
1
الموضحة
5 من الإبل
2
الهاشمة
10 من الإبل (عشر الدية)
3
النقلة
15 من الإبل (عشر الدية ونصف العشر)
4
المأمومة
ثلث الدية
5
الجائفة
1)     ثلث الدية (الجمهور)
2)     نصف عشر ذلك العضو (سعيد)

بهذا نكتفي والساعة عشر، ويليه بإذن الله القول في ديات الأعضاء، والحمد لله رب العالمين.


[1] الملخص الفقهي، د. صالح فوزان، ص: 474 ط: دار إعلام السنة.
[2] الملخص الفقهي، ص: 480