الثلاثاء، 8 نوفمبر 2016

القياس الأولوي (المفهوم) 2


بسم الله الرحمن الرحيم

لا يزال حديثنا في كتاب الروضة عن أقسام إلحاق المسكوت بالمنطوق.

قال المؤلف الإمام العلامة موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي (541 – 620هـ) رحمه الله تعالى:

فصل

إلحاق المسكوت بالمنطوق ينقسم إلى مقطوع ومظنون، فالمقطوع ضربان:

        أحدهما: أن يكون المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق وهو المفهوم، ولا يكون مقطوعا حتى يوجد فيه المعنى الذي في المنطوق وزيادة.

ش: كما قلنا في السابق أن القطع بالأولوية هنا لا بد من تحقق المعنى المنطوق به في المسكوت عنه وزيادة. فلا يكون مقطوعا بأولويته حتى يوجد فيه المعنى الذي في المنطوق وزيادة.

        قوله: كقولنا: إذا قبل شهادة اثنين فثلاثة أولى فإن الثلاثة اثنان وزيادة،

ش: يمكننا أن نجد المعني المنطوق هنا من قوله تعالى: "واستشهدوا شهيدين من رجالكم" في المسكوت عنه وهو ثلاثة شهود، فهنا في المسكوت اثنان وزيادة.

قوله: وإذا نهى عن التضحية بالعوراء فالعمياء أولى فإن العمى عور مرتين.

ش: هنا أيضا مثال لمعنى المنطوق بالنص النبوي وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الضَّحَايَا الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا، وَالْكَسِيرُ الَّتِي لَا تُنْقِيمعنى العيب في العوراء وهذا المعنى موجود في العمياء فهو عور وزيادة.

قوله: أما قولهم: إذا وجبت الكفارة في الخطأ ففي العمد أولى، وإذا ردت شهادة الفاسق فالكافر أولى، فهذا يفيد الظن لبعض المجتهدين وليس من الأول، لأن العمد نوع يخالف الخطأ فيجوز أن لا تقوى الكفارة على رفعه بخلاف الخطأ، والكافر يحترز من الكذب لدينه والفاسق متهم في الدين.

ش: ذكر ابن قدامة رحمه الله مثالين لوجه الإلحاق طريقه ليس يدخل في باب الإلحاق المقطوع بأولويته.

فالأول: أن الكفارة في المنطوق به في النص القرآني في قوله تعالى: "ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة" عقوبة للقتل خطأ وقد وجد معنى القتل المسكوت عنه في القتل العمد العدوان. القتل العمد زيادة على الخطأ، فهذا لا يدخل في باب الإلحاق الأولوي، لأن العمد نوع يخالف الخطأ فيجوز أن لا تقوى الكفارة على رفعه لأن الذنب في العمد أعظم بخلاف الخطأ.

الثاني: عدم قبول شهادة الفاسق لتهمة  الفسق في الإسلام ومعنى عدم القبول هنا بسبب الفسق موجود في الكافر فإنه فسق وزيادة، أيضا هذا لا يقطع بأولويته لأنه قد يظن بالصدق يحترز من الكذب لدينه، أما الفاسق متهم في الدين.

قوله: الضرب الثاني: أن يكون المسكوت مثل المنطوق.

ش: الضرب الثاني من إلحاق المسكوت القطعي: أن يكون المسكوت ليس أولى من المنطوق والمنطوق ليس أولى من المسكوت أي يساوي في معناهما.

                قوله: كسراية العتق في العبد والأمة مثله، وموت الحيوان في السمن والزيت مثله.

        ش: وقد ذكر مثالين في هذا الضرب من الإلحاق.

الأول: حكم انتقال بعض العتق إلى الكل، أو ما يسمى بالسراية[1]، في العبد بقوله مثلا: "أعتقت عبدي نصفه" فالصحيح الكل يعتق لأن العتق لا يتجزأ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أعتق شركا له في عبد وكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة العدل، فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق منه ما عتق" الحكم في العبد الذكر هنا للأمة فيه سواء وليس أحدهما أولى بالحكم من الآخر. أما الأنوثة بأن تجعل فارقا لا يؤثر في الحكم بعد تتبع أحكام العتق في الأمة مع العبد من وجه الاستقحاق؛ فمثله مثل الأبيض مع الأسود والصغير مع الكبير والطويل مع القصير.

الثاني: حكم نجاسة ميتة الحيوان في السمن أن يزال كله إذا كان مائعا أو ما حوله إذا كان جامدا في حكم نجاسة وقاع ميتة الحيوان في الزيت. ولا يلتفت إلى الفارق بين السمن الذي هو مأخوذ من الحيوان والزيت المأخوذ من النبات، أي كون الزيت من النبات لا يؤثر في إلحاق هذا بهذا.

ثم ذكر ضبط القطعية في هذا النوع من الإلحاق فقال رحمه الله:

وهذا يرجع إلى العلم بأن الفارق لا أثر له في الحكم وإنما يعرف ذلك باستقراء أحكام الشرع في موارده ومصادره في ذلك الجنس.

وضابط هذا الجنس ما لا يحتاج فيه إلى التعرض للعلة الجامعة بل بنفي الفارق المؤثر ويعلم أنه ليس ثم فارق مؤثر قطعا.

فإن تطرق إليه احتمال لم يكن مقطوعا به بل يكون مظنونا.

وقد اختلف في تسمية هذا قياسا وما عدا هذا من الأقيسة فمظنون.

ثم يقول رحمه الله:

وفي الجملة:  فالإلحاق له طريقان:

أحدهما: أنه لا فارق إلا كذا وهذه مقدمة، ولا مدخل لهذا الفارق في التأثير وهذه مقدمة أخرى، فيلزم منه: نتيجة وهو: أن لا فرق بينهما في الحكم، وهذا إنما يحسن إذا ظهر التقارب بين الفرع والأصل فلا يحتاج ‘لى التعرض للجامع لكثرة ما فيه الاجتماع.

ش: الحديث ورد في العبد كي نلحق الأمة في حكم السرايا بتطبيق المقدمتين: لا فرق بين العبد والأمة إلا بالذكورية والأنوثية، والثانية أن هذا الفارق غير مؤثر، النتيجة: أن الأمة مثل العبد في الحكم.

وبهذا تم الجزء الثاني من هذا الفصل ولله الحمد...



[1] أي: إذا أعتق جزءا من عبد سرى العتق إلى جميعه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق