الخميس، 10 نوفمبر 2016

في حق الضمان على الراكب والسائق والقائد 1


بسم الله الرحمن الرحيم

مرحبا بكم في لقاء من لقاءاتنا مع الكتاب القيم "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" للقاضي ابن رشد الحفيد رحمه الله رحمة واسعة، فيقول:

ومن أنواع الخطأ المختلف فيه،

ش: بعد ذكر النوع الأول من أنواع الخطأ الذي وهو الاعتداء على الجنين كان القصد على الأم وليس له؛ شرع رحمه الله في ذكر نوع آخر وهو الاعتداء من فعل الدابة، وذلك في مسائل نذكرها:  

المسألة الأولى: هل يوجب التضمين منه مكان الدية؟

والضامن هنا: إما الراكب الذي على الدابة، وإما السائق الذي يسوق الداواب، وإما القائد الذي يقولد الدابة في السير، ففي هذه المسألة أيضا خلاف بين الفقهاء، ثم يسرد فيها فيقول:

اختلافهم في تضمين الراكب والسائق والقائد؛

1.    فقال الجمهور:

هم ضامنون لما أصابت الدابة،

Ü  واحتجوا في ذلك بقضاء عمر على الذي أجرى فرسه فوطئ آخر بالعقل.

2.    وقال أهل الظاهر:

لا ضمان على أحد في جرح العجماء[1]،

Ü  واعتمدوا الأثر الثابت فيه عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة أنه قال عليه الصلاة والسلام "جرح العجماء جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس"

ش: المسألة الأولى في الاعتداء من فعل الدابة: الخلاف فيها من قولين:

                1. القول بالضمان وهو الجمهور.

                2. القول بالهدر، أي: لا ضمان فيه.

                واستدلوا بما استدلوا عليه، فالجمهور اعتمدوا على الأثر عن ابن عمر أما أهل الظاهر بالنص، فالعمل بالحديث النبي أولى من العمل بالأثر الصحابي إذ هو مقدم عليه، ولكن اعتماد الجمهور على الأثر أوجه منه مما استدلوا عليه أهل الظاهر، فكيف ذلك؟ لقد ذكر ابن رشد رحمه الله وجه ذلك، فيقول:

فحمل الجمهور الحديث على أنه لم يكن بالدابة راكب ولا سائق ولا قائد، لأنهم رأوا أنه إذا أصابت الدابة أحدا وعليها راكب أو لها قائد أو سائق، فإن الراكب لها أو السائق أو القائد هو المصيب ولكن خطأ.

ش: العمل بالحديث عند الجمهور هذا باعتبار أن الدابة ليس عليها راكب، ولا سائق، وولا قائد، أما العمل بقول عمر هذا على أن الدابة مركوب عليها، فكان قول الجمهور أوجه هنا، فانظره!

المسألة الثانية: نوع فعل الدابة المسمى اعتداءا الموجب للضمان. فقال رحمه الله رحمة واسعة:

واختلف الجمهور فيما أصابت الدابة برجلها،

1.    فقال مالك:

لا شيء فيه إن لم يفعل صاحب الدابة بالدابة شيئا يبعثها به على أن ترمح برجلها؛

2.    وقال الشافعي:

يضمن الراكب ما أصابت بيدها أو برجلها،

وبه قال ابن شبرمة وابن أبي ليلى، وسويا بين الضمان برجلها أو بغير رجلها،

وبه قال أبو حنيفة، إلا أنه استثنى الرمحة بالرجل أو بالذنب،

Ü  وربما احتج من لم يضمن رجل الدابة بما روي عنه صلى الله عليه وسلم "الرجل جبار" ولم يصح هذا الحديث عند الشافعي ورده.

ش: هنا ذكر المؤلف رحمه الله أنواع الفعل حصل بها الاعتداء من الدابة:

1)     الرمح بالرجل

2)     باليد

3)     بالذنب

4)     بأي نوع كان الاعتداء

ومن هذه الأنواع ما كان يحصل من الراكب ابتداءا وما لم يحصل.

فمالك رحمه الله يجعل الضمان فيما كان الاعتداء حصل من فعل الراكب ابتداءا وقصد العدوان، فمثله مثل راكب السيارة الذي يقصد صدم عدو له فالسيارة هذه يضمن عليها الراكب.

أما الشافعي وأبو ليلى وابن شبرمة وأبو حنيفة لم يعتبر حصول الفعل من الراكب، فأي نوع، مع اختلافهم في أصول ذلك، حصل من الدابة الاعتداء من فعله فعلى الراكب الضمان.

فطبعا حاصل أقوالهم هذه من أصولهم في النصوص غير أن ما اعتمد عليه أبو حنيفة ردّه الشافعي لضعفه.

ثم رحمه الله رحمة واسعة ذكر نوعا ثالثا مما يختلف فيه التضمين من الخطأ هو الاعتداء بسبب حفرة البئر، فناسبنا أن نقول فيه:

المسألة: ضمان لمن حفر بئرا فوقع فيه إنسان، فيقول المؤلف رحمه الله:

وأقاويل العلماء فيمن حفر بئرا فوقع فيه إنسان متقاربة؛

1.    قال مالك:

إن حفر في موضع جرت العادة الحفر في مثله لم يضمن وإن تعدى في الحفر ضمن؛

2.    وقال الليث:

إن حفر في أرض يملكها لم يضمن وإن حفر فيما لا يملك ضمن،

Ü  فمن ضمن عنده فهو من نوع الخطأ.

ش: لا يزال مالك هنا على أصله وهو اعتبار فعل المسبب وهو الحافر للبئر، فلو حفر من أجل التعدي فهو داخل من أنواع العمد العدوان مثل أن يحفر في مكان لم يكن عادة الناس أن يحفر فيه، أو في معنى ذلك.

والليث مثله في الاعتبار إلا أنه يعارض قول مالك في لو حفر في مكان لم تجر العادة الحفر فيه وهو مالك لهذا المكان فلا ضمان. فالملكية عنده أزال حكم ضمان من حفر في مكان لم تجر العادة عند مالك[2].

                ثم رحمه الله رحمة واسعة ناسب أن يقول هنا صفة من أوصاف الدابة لم تكن اعتداء عادة وهي الدابة الموقوفة، فنقول هنا:

المسألة الثالثة: في الدابة الموقوفة، فقال رحمه الله:

وكذلك اختلفوا في الدابة الموقوفة،

1.    فقال بعضهم: وبه قال الشافعي؛

إن أوقفها بحيث يجب له أن يوقفها لم يضمن، وإن لم يفعل ضمن،

2.    وقال أبو حنيفة:

يضمن على كل حال، وليس يبرئه أن يربطها بموضع يجوز له أن يربطها فيه، كما لا يبرئه ركوبها من ضمان ما أصابته وإن كان الركوب مباحا.

ش: الدابة الموقوفة: هي المربوطة بالوتر، والوتر: "المكان المربوط عليه الدابة"، وحاصل الخلاف قولان: إن الضمان يكون على من أوقف في مكان لم يوقف الناس عادة فيه بحيث هو مكان مرور الناس. فمثلا: لو أوقف رجل السيارة وسط الطريق بسبب التعطل الميكانيكي في داخل السيارة ثم تركه وصدمها سيارة تسبب بها قتل عشرات الأشخاص هذا بالتأكيد يضمن، وهذا حاصل في السودان حيث الشوارع هناك ليس منتظما مثل في جاكرتا.

                أما أبو حنيفة أطلق في كل حال يجب عليه الضمان.

تم بحمد الله درسنا، وبعده بإذن الله سنستمر فيما تبقى من مسألة واحدة في هذا... تابعونا!





[1] الذي لا يتكلم من الدواب (د. أبو بكر حفظه الله تعالى)
[2] لقد حكى لنا د. أبو بكر عن قصة مأساة عن رجل سوداني عامل في شركة النفط السعودية. كان عائدا إلى بيته في السودان بعد العمل ليقابل والداه ولم يكن هناك الهاتف ليخبر والديه أنه قادم إلى هناك، وكان عازبا غير متزوج. نزل في المطار بالخرطوم ثم أخذ سيارة الأجرة نحو بيته حتى وصل هناك وسط الليل الساعة الثانية عشر ليلا، وكان كل بيت هادئ لا يوجد حوله أحد سوى هو وسائق السيارة. نزل الرجل وقال للسائق: انتظرني حتى أدخل البيت وأخبر والدي بمجيئي ثم أعطيك الأجرة. ذهب الرجل نحو البيت وطرق الباب ولم يرد عليه أحد. وصعد السقف ثم نزل، وسقط في البئر وغرق ومات... وكان السائق ينتظر ولم يعرف أحد ما حصل على الرجل المسكين، انتظر السائق طويلا وكان في داخل السيارة كل متاع الرجل والهدايا كثيرة والمال الكثير، تقدم السائق وطرق الباب بنفسه حتى أيقظ أهل البيت. فتح والد الرجل الباب وسأل السائق فأجاب: أنا سائق الرجل الذي دخل بيتكم. ثم قال: ومن هو؟ فرد له: ابنكم وفي سيارتي متاعه وماله. فكان كلامه حق، فبحث الأب والأم في كل مكان في البيت فإذا هو في البئر قد غرق. هذه القصة واقعة وقعت في حياة الدكتور هناك في السودان عسى الله يرحمه رحمة واسعة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق